صاحب الذوق السليم:
مزاجه مستقيم، طبعه وزان، وفيه أنواع الإنسان، يتخذ التواضع سنة، والعطاء من غير منة،
والعفو عند المقدرة، والتغفل عن المعيرة، لا يزدري فقير، ولا يتعاظم بأمير، لا ينهر سائل،
ولا هو عما لا يعنيه سائل، كريم طروب، قليل العيوب، كثير المزاح، جميع خصائله ملاح،
منادمته آلف من الراح، صاحب الأصحاب، حبيب الأحباب، ليس بكثيف، مكمل الذات،
مليح الصفات ليس بقتات، يواسيك ويسليك، ويتوجع إليك،
ويعظك ويتحفك بعلمه وماله، ولا يحوجك إلى سؤاله،
ينظر إلى المضطر بعين الفراسه، ويواسيه بكياسة،
رجل همام والسلام.
صاحب الذكاء المفرط:
جوابه مسكت، يشارك العلماء من غير اشتغال، ولا يتكلم بمحال على كل حال،
تخيله صحيح وتكلمه مليح فصيح، لا يحتاج إلى المنطق ولا إلى الألفية،
وتلك المعالم من نفسه سجية، يرتب الألغاز والأحجيات،
ولا يحتاج إلى العروض في تلك الأبيات،
يصنف مثاتيل وخزعبلات، رجل دهقان، صاحب ذكاء ملسان، يصنف مثل الألفية،
وله في تلك العلوم غية، يهندس ويرتب ويفصل، ويديون، ويحصل، صاحب حساب وديونة،
وفراسة وعنونة، يركب أطعمة وشرابات، ومعاجين وعلوكات، يعرف الطب والجراح، وأياديه في كل صنعة ملاح.
صاحب العقل الزائد:
خيره متزايد، شره متباعد، رضي الخلق
حليم، عفيف النفس كريم، ليس بكذاب ولا لئيم، لا يفرح بالمصيبة لأعدائه،
مشتغل بأدوائه، لا يقصد إلا رضى الله، راض بما قسم الله، ينظر إلى المضطر
بعين الفراسة، ويواسيه بكياسة،
لا يحسد الأمير لإمارته، ولا التاجر على تجارته، مشتغل بالله فهو عبد الله، كثير الصمت والسكون،
جعل الله لقلبه عيون، فهو ضد المجنون، لا يتكلم بغيبة، ولا يفرح بمصيبة، كيس ليس بزاعج،
وهو للأرواح ممازج، يبذل المجهود في رضى الأصحاب، وهو من أولي الألباب،
يفتح لكل خير باب، عارف بطريق الصواب، يكرم الفقراء،
ولا يجالس كثيف، ولا يمل كل لطيف، رجل همام والسلام.
وضد ذلك من الأشرار في الدرك الأسفل من النار
، وهو المنافق،
لغير دين الله موافق، كلب أجرب، للقلب خرب، ثوب جثمانه من النفاق مضرب، فهو للشيطان أقرب،
بالدينين يلعب زنديق مذبذب، لا يأكل لحم الأضاحي ولا يبات ليلة في رمضان صاحي
، إن عبر كنيسة اليهود قاموا له بالجلود،
وإن عبر كنيسة النصارى وقع في الخسارى، صلاته عوجاء، لا وضوء ولا استنجاء،
لا يعبر جامع المسلمين، إلا أن يكون يتفرج على القناديل، خوان ليس بأمين، يشهد بالزور في كل الأمور،
إن خوصم فجر، وإن شهد قهر، وإن استؤمن خان، في كل زمان، في كل الملل حيران، فهو من أهل النيران.
الثاني:
المسلوب الذوق الأحمق، عقله ممزق وعيناه تتبحلق، يعيط ويبقبق، ساحله مزحلق، من كثرة حمقه يزملق،
ولزوجته يطلق، لا يهتدي لصواب، ولا يتأمل رد جواب، إن مدحته ازدراك، وإن تركته عاداك وهجاك،
ما لعلته دواء، والخير والشر عنده سواء، لو فرشت خدك بالأرض، ظن إن ذلك عليك فرض،
إذا لبس الشيء الحديد، يظن الناس كلهم له عبيد، في نفسه غلطان، ويظن أنه سلطان،
هيولى مطلق، سالبه كلية فهو من لبلية.
وَمِن البَليَّةِ عَذلُ مَن لا يرعوي ... عن جَهلِه وخِطابُ مَن لا يَفهَم
فهو من أنكاد الدهر، والخلق جميعاً منه في قهر، رجل مطلاق، سيىء الأخلاق، سبحان الملك الخلاق.
لِكُلِ داء يَستَطِبُ بِه ... إلاّ الحَماقَة أعيت مَن يُداوِيها
قيل للسيد المسيح صلوات الله
وسلامه عليه، أنت تبرىء الأكمة والأبرص، وتحيى الموتى بإذن الله تعالى ولا
تداوي الأحمق؟ فقال: هذا الداء أعياني.
الثالث:
النذل من الرجال، قليل الوفاء، مصفوح القفا، قليل الغيرة، مع كل خيل مغيرة، قليل الأدب، كثير الضحك بلا عجب،
كثير النوم، قليل الهمة بين القوم، لا يقضي حاجة، كثير اللجاجة، يأكل الكد الكثير، ولا يرى لذلك تأثير،
ولو خربت الشام وسائر الثغور، تراه من غير فكره في البجاقات يدور،
يلتذ بالكفاح كما يلتذ غيره بالنكاح، يغوى الخصال القباح،
ويترك الخصائل الملاح، كثير العيوب،
وهو من الذوق مسلوب، وفيه أحسن من قال:
يَدَعُ الذُبابُ جَميع جِسمِك سالمِاً ... وتَراهُ لا يأوِي لِغيرِ جَرِيحةِ
كالنَذلِ يَعدِلُ عن جَميلِ صَديقِهِ ... وتَراهُ لا يأتِي لِغيرِ قَبيحةِ
رحم الله من تأمل هذه الخصال، وجعل بينه وبينها انفصال.
من كتاب
صفة صاحب الذوق السليم ومسلوب الذوق الئيم
للسيوطي