التسجيلالتعليمـــاتالمجموعاتالتقويممشاركات اليومالبحث


أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـــات، بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه .



 

 كل ما فيه معجزه

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
الربيع العربي
فريق كافية الابداع
فريق كافية الابداع
الربيع العربي


تاريخ التسجيل : 16/06/2012
عدد مساهماتك : 81
نقاط : 503
السٌّمعَة : 0
العمل/الترفيه العمل/الترفيه : ليبيا

كل ما فيه معجزه Empty
مُساهمةموضوع: كل ما فيه معجزه   كل ما فيه معجزه Emptyالسبت سبتمبر 08, 2012 1:08 pm

كل ما فيه معجزه







لم يغب عن بال من تناولوا سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الملامح الإعجازية فى شخصه صلى الله عليه وسلم فإذا بهم يوردون تلك الملامح شذرات تضىء مؤلفاتهم إلا أنهم لم يفردوا لها كتباً مستقلة ، فمنهم من رأى خلقه وصفاته النفسية وكمالاته صلى الله عليه وسلم يقوم كل منها معجزة وحده ، بينما رأى آخر أن صدقه كان معجزته الأولى صلى الله عليه وسلم ، ورأى أحدهم أن شخصيته وأفكاره صلى الله عليه وسلم كانت المعجزة ، ويؤكد آخر أن سيرته صلى الله عليه وسلم تبقى المعجزة ، والذى رأى فى تربيته صلى الله عليه وسلم للصحابة رضوان الله عليهم فى حد ذاته معجزة ، والمعجزة المقابلة لها هو حب الصحابة له صلى الله عليه وسلم ، وينبرى أحدهم بأن مافعله صلى الله عليه وسلم فى دنيا الناس هو المعجزة ، بينما إنتشار الإسلام كدين يدين به الناس بهذه السرعة وهذا الحب هو المعجزة.

يلفت مصطفى لطفى المنفلوطى أنظارنا التى تسير سيراً خاطئاً فى إثبات معجزة الرسول بالدلالة على أخلاقه صلى الله عليه وسلم ؛ بينما هو يعكس ذلك المفهوم المتجذرفينا حيث يرى أن صفات الرسول النفسية وكمالاته هى المعجزة الدالة على تصديق الناس ماأوتى علي يديه من خوارق المعجزات ، بل أن ماكانت قريش لتصدق دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم إلا لأنه تصدقه هو بشخصه وجوامع خلقه الكريم فما كان لمثل محمدِ إحتياج لكل هاتيكَ الخوارق مهما كان قدرها ، إذ يقول (1): إن في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وسجاياه التي لا تشتمل على مثلها نفس بشرية ما يغنيه عن خارقة تأتيه من الأرض أو السماء، أو الماء أو الهواء إن ما كان يبهر العرب من معجزات علمه، وحلمه، وصبره، واحتماله، وتواضعه، وإيثاره، وصدقه، وإخلاصه أكثر مما كان يبهرهم من معجزات تسبيح الحصى وانشقاق القمر، ومشي الشجر، ولين الحجر؛ وذلك لأنه ما كان يريبهم في الأولى ما كان يريبهم في الأخرى، من الشبه بينها، وبين عرافة العرافين، وكهانة الكهنة، وسحر السحرة، فلولا صفاته النفسية، وغرائزه، وكمالاته ما نهضت له الخوارق بكل ما يريده، ولا تركت له المعجزات في نفوس العرب ذلك الأثر الذي تركته؛ ذلك هو معنى قوله تعالى : ’’ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ’’(2) .
يؤيد ماذهب إليه المنفلوطى ماقاله سعد الدين التفتازانى (3): وأما الاستدلال على نبوة محمد بما شاع من أخلاقه وأحواله فهو عائد إلى المعجزة .

يناجى الدكتور أحمد محمد الحوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم (4) قائلاً : حبيبى يارسول الله .. يالها من حديقة فَيْحاءَ غَنَّاءَ ، كل مافيها طيب المظهر والمخبر ،عَبِقُ الشَّذى ، حلو الجنىَ ، شهىٌ إلى كل نفس .. إنها أخلاقك الفُضْلى التى تتسامى عن الأنظار فلا يُدرك أحد أيُها أعلى مكاناً ، و تتسابق إلى القلوب فلا يعرف أحد أيها أسرع جرياناً ، ولا أيها أعظم فى النفوس آثارا وأرسخ بنياناً .. لقد قضيتُ أسعد أيام العمر سادناً فى هذه الحديقة ، وكلما أمضيت فى ظل فضيلة من فضائلك زمناً خُيل إلىَّ أنها أبرز فضائلك ، فإذا أويتُ إلى ظل أخرى تراءت لى أعظم شمائلك ، ثم أتفيأ ثالثة فتبدو كأنها أعظم خمائلك ، فلا سبيل إلى مفاضلة أو موازنة أو ترجيح .

بينما يرى الدكتور محمد سيد أحمد المسير (5): إن الصدق ـ يقصد صدق الرسول عليه الصلاة والسلام ـ هو المعجزة الأولى التى دفعت الناس إلى الإيمان بالرسالة لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ...

يقول الإمام أبى حامد الغزالى (6): اعلم أن من شاهد أحواله صلى الله عليه وسلم وأصغى إلى سماع أخباره المشتملة على أخلاقه وأفعاله وأحواله وعاداته وسجاياه ، وسياسته لأصناف الخلق ، وهدايته إلى ضبطهم ، وتألفه أصناف الخلق ، وقودهم إياهم إلى طاعته مع ما يُحكَى من عجائب أجوبته فى مضايق الأسئلة ، وبدائع تدبيراته فى مصالح الخلق ، ومحاسن إشاراته فى تفصيل ظاهر الشرع الذى يعجز الفقهاء والعقلاء عن إدراك أوائل دقائقها فى طول أعمارهم ، لم يبق له ريب ولاشك فى أن ذلك لم يكن مكتسباً بحيلة تقوم بها القوة البشرية ، بل لا يتصور ذلك إلا بالاستمداد من تأييد سماوى وقوة إلهية ، وأن ذلك كله لايتصور لكذاب ولا مُلَبِسْ ، بل كانت شمائله وأحواله شواهد قاطعة بصدقه حتى أن العربى القح كان يراه فيقول : والله ما هذا وجه كذاب ، فكان يشهد له بالصدق بمجرد شمائله ، فكيف من شاهد أخلاقه ومارس أحواله فى جميع مصادره ؟! ، فأَعْظِمْ بغباوة من ينظر فى أحواله ، ثم فى أفعاله ، ثم فى أخلاقه ، ثم فى معجزاته ، ثم فى استمرار شرعه إلى الآن ، ثم فى انتشاره فى أقطار العالم ، ثم فى إذعان ملوك الأرض له فى عصره وبعد عصره مع ضعفه ويتمه ، ثم يتمارى بعد ذلك فى صدقه .

نعم أنه الصدق وهو ماتنبه له بعقله الأديب البريطانى هـ .جـ .ويلز : إن من أرفعِ الأدلةِ على صدقِ محمدٍ كونَ أهلِه وأقربِ الناسِ إليه يؤمنون به . فقد كانوا مطَّلعينَ على أسرارِه ، ولو شكّوا في صدقِه لما آمنوا به .
يجد بلاشيرمعجزة محمد فى صدقه أيضاً حين كان أسلوبه الخاص فى أحاديثه النبوية مفارقاً تماماً لإعجاز القرآن حتى صار هذا إعجازه صلى الله عليه وسلم حيث يقول (7) : الإعجاز هو المعجزة المصدقة لدعوة محمد الذي لم يرتفع في أحاديثه الدنيوية إلى مستوى الجلال القرآني ..
كما رأى بلاشير أن معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم ( الوحيدة) ـ لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم معجزات كثيرة أهمها على الإطلاق القرآن الكريم ـ هى تبليغ الرسالة حيث يقول(8) : إن معجزة النبي الحقيقية والوحيدة هي إبلاغه الناس رسالة ذات روعة أدبية لا مثيل لها، فمن هو ذلك الرجل المكلّف بالمهام الثقيلة العبء وهي حمل النور إلى عرب الحجاز في أوائل القرن السابع ؟ إن محمدًا لا يبدو في القرآن إطلاقًا، منعمًا عليه بمواهب تنزهه عن الصفات الإنسانية، فهو لا يستطيع في نظر معاصريه المشركين أن يفخر بالاستغناء عن حاجات هي حاجاتهم، وهو يصرّح بفخر أنه لم يكن سوى مخلوق فان: ’’ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ’’ (9) وهو لم يتلق أي قدرة على صنع المعجزات ولكنه انتخب ليكون منذرًا ومبشرًا للكافرين .

وواقع الدين يكذَِب مقولة بلاشيرو مقولة كل قائل قال أو سيقول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تلقى معجزة من ربه عزوجل ؛ بل أنه صلى الله عليه وسلم تلقى معجزات تجاوزت عند البعض الألف معجزة كما يشهد بهذا عدد غير قليل من مفكرى الغرب ومنهم ايفلين كوبولد حيث تقول : لقد استطاع النبي صلى الله عليه وسلم القيام بالمعجزات والعجائب، لَمّا تمكن من حمل هذه الأمة العربية الشديدة العنيدة على نبذ الأصنام وقبول الوحدانية الإلهية.. لقد وفق إلى خلق العرب خلقًا جديدًا ونقلهم من الظلمات إلى النور .... (10)

غيرأن خالد محمد خالد يرى أن معجزة محمد صلى الله عليه وسلم فى ثباته أمام طغاة قريش وكذلك ثبات أصحابه رضى الله عنهم الذين قبسوا من ثباته صلى الله عليه وسلم تأتى معجزة أخرى بعد صدقه صلى الله عليه وسلم فيقول (11) : ومع الصدق ، تجىء معجزة أخرى من المعجزات الأصيلة ، والخليقة بالتقدير ، متمثلة فى هذا القدرالباهر من الثبات والمثابرة.. ثبات الرسول وثبات أصحابه العُزل والمستضعفين .. كان ثبات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وكان إصراره ومُثابرته .. ثم من بعد ذلك كله أو معه ، كانت تضحياته المتألقة ، والمتفوقة ، تصنع وتصوغ وتكتب تاريخاً جديداً لشرف الإنسان .. وشرف الإيمان .. و لقد يبلغ رجل ما من الرجال أعلى وأسمى آفاق الثبات والتضحية والمُثابرة نتيجة احتوائه على قدرات عقلية و نفسية هائلة .. أما أن ينتقل نفس القدر من التضحية والثبات والمثابرة إلى الآخرين الذين لايمتلكون مثل قُدرات نفسه وعقله وروحه.. والذين لايدفعهم من دوافع الدنيا و طموحاتها أى دافع ، والذين يرسلون خواطرهم نحو المجهول ، فلا يجدون على جانبيه إلا أخطاراً محدقة .. وشدائد مبرحة.. ومحناً تزحم الطريق الطويل ، أقول : أمَّا أن يحدث ، فالأمر إذن أمر إعجاز فريد ، بقدرما هو مجيد..

أقول : أمَّا يتصدر صفوف المبكرين بالإسلام ثُلةٌ من صفوة قريش وحكمائها .. معرضين شرفهم الرفيع و جاههم العريض ، وزعامتهم ، و مكانتهم لإسفاف المشركين و سفالاتهم ، وكيدهم الأحمق ، وأذاهم المسعور .. دون أن يكون هناك مغانم ينتظرونها ، وأمانىَُّ يترقبون مجيئها ، واثقين ـ لاغير ـ بكلمة واحدة واعدة همس بها الرسول صلى الله عليه وسلم فى آذانهم : الجنَّة .. !! .. فهذا إعجاز آخر.. ولن يكون الأخير ..!!

وهذا الثبات هو مايعول عليه أبو عبد الرحمن سلطان عليّ (12) فيثبت أن إعجازالرسول صلى الله عليه وسلم كان فى كماله الأخلاقى الذى بلغ ذروته ، وإعجازه فى توازنه الأخلاقى صلى الله عليه وسلم ، أما ثباته الأخلاقى فيأتى الإعجاز الحقيقى لخلقه صلى الله عليه وسلم كما يراه ويدلل على ماذهب مفصلاً فيقول : بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذروة الكمال الإنساني في سائر أخلاقه وخصاله وفي جميع جوانب حياته، وهو وجهٌ آخر من وجوه إعجازه الأخلاقي أما أهم مايميز كماله صلى الله عليه وسلم ، فهو التوازن في أخلاقه، فهو رحيم دون ضعف، متواضع بغير ذلة، محاربٌ لا يغدر، سياسيٌّ لا يكذب، يستخدم الحيلة في الحرب ولكن لا ينقض العهود والمواثيق، آمن خصومه بصدقه وأمانته، يجمع بين التوكل والتدبير، وبين العبادة والعمل، وبين الرحمة والحرب، وبين إدارة شؤون أسرته الكبيرة، فقد جمع بين تسع زوجات، وإدارة المجتمع والدولة، ويعطي لكلِّ ذي حقٍّ حقه، ولم تشْكُ واحدة من أزواجه يوماً من سوء عشرته، ولكن اشتكين ذات مرة من خشونة العيش، فخيَّرهنَّ بين البقاء معه أو أن يسرحهن سراحاً جميلاً فاخترنه دون تردد!. والمقصود أن صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم وخصائصه تعمل ضمن منظومة متناسقة متناغمة، تتشابك جميعها لتأدية أغراضها، فلا تتوسع صفة أو تقوى على حساب أخرى، ولا تعمل إحداها ضد الصفة التي تقابلها. ووجه العظمة يتجلى لك من خلال الموازنة مع الناجحين في الحياة كالمشاهير والأبطال والحكماء والمصلحين على سائر الأزمان واختلاف المكان، حيث يقتصر نجاحهم ونبوغهم على مجالاتٍ وميادين معينة، فهذا في السياسة، وذاك في الأدب، والآخر في الرياضة مثلاً، ولكنهم يفشلون في مجالات غيرها، وقد تكون أكثر أهمية منها، وقد تجد الرئيس الناجح في إدارة شؤون دولته المترامية الأطراف غير إنه فاشل في علاقاته الزوجية وفي إدارة بيته مثلاً.

ومظهرٌ آخر للتوازن هو ثبات أخلاقه، فرسول الله صلى الله عليه وسلم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم في رضاه وغضبه، وفي سلمه وحربه، وفي عسره ويسره، ومنشطه ومكرهه، وفي بيته وسوقه ومسجده، مع أزواجه وأولاده، ومع أصحابه، وفي جميع أحواله وشؤونه. وهذا الثبات قليلٌ في الناس أو نادرٌ، فترى الشخص في رضاه فإذا ما غضب صار شخصاً آخر كأنه ليس هو، وترى الشخص ضحَّاكاً بسَّاماً بين زملائه فإذا دخل بيته عبس وبسر، وتتعرف على الرجل في الحضر فتراه في وجه، ويجمعك به السفر فيسفرُ لك عن وجه آخر، وترى زعيماً ما يفيض في السلم رقة وحناناً فإذا ما اشتعلت الحرب تحول إلى وحش فاتك! وترى السخي الجواد في الرخاء فإذا أصابته شدة ضنَّ بماله، وأمسك عن الإنفاق، أما رسول الله ‘ فقد كان سخياً ندياً في سائر أحواله، وكان رحيماً في سائر أحواله، وعلى ذلك فقس بقية الشمائل المحمدية، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك القدرة على الجمع بين النقائض أو هكذا تبدو للناس ، وهذا معجزة بحد ذاته ولكن ليست من الخوارق التي اشتهرت عن الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام ، وسيرته صلى الله عليه وسلم غنية بالأمثلة والشواهد التي تدلُّ على توازنه الخلقى .....

نعم أن الثبات الأخلاقى للرسول صلى الله عليه وسلم معجزة لأنه فرعُ من الثبات العام فى شخص الرسول النبى القائد ولما للثبات من أهمية عظيمة في تربية الفرد والجماعة وفي التفاف الناس حول المتمسك به فمن خلاله يستطيع تحقيق أهدافه التى يطمح فى تحقيقها كما يوضح ذلك الدكتور محمد حسن موسى أهمية الثبات عبر نقاط أربعة (13):
‌أ- الثبات دلالة سلامة المنهج وداعية إلى الثقة .
‌ب- الثبات مرآة لشخصية المرء ومطمئن لمن حوله .
‌ج- الثبات ضريبة الطريق إلى المجد والرفعة في الدنيا والآخرة .
‌د- الثبات طريقٌ لتحقيق الأهداف .

فمن ثبات القائد تتعلم الرعية الثبات وذلك ظهر جلياً فى حياة النواة الأولى من المسلمين بمكة حين تَحَالَفَتْ قُرَيْش ٍوَكِنَانَةَ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي عَبْدِالْمُطَّلِبِ أَوْ بَنِي الْمُطَّلِبِ أَنْ لَا يُنَاكِحُوهُمْ وَلَا يُبَايِعُوهُمْ حَتَّى يُسْلِمُوا إِلَيْهِمْ النَّبِيَّ ......

قال الدكتور راجح الكردي (14): رغم كل هذه الضغوط فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يربي المسلمين في الحصار على ضرورة الثبات ويقودهم لدعوة الوافدين في مواسم الحج مؤكداً تربيته لأصحابه على ضرورة استمرار الدعوة مهما ضاقت الظروف، وقلَّت الموارد .

وقال الدكتور محمد أبو فارس (15): وسيلة الضغط على المسلمين بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى المتعاطفين معهم كانت مؤلمة إلا أن الثبات والصبر على المبدأ وقوة إيمان المسلمين ثبتهم أمام هذه المقاطعة العامة .

ولاشك أن رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم تقف وحدها معجزة وليس أدل على ذلك من ذهابه ماشياً على قدميه إلى الطائف التى تبعد عن مكة حوالى تسعين كيلو متراً بعد وفاة عمه فى شوال من السنة العاشرة من البعثة ومعه مولاه زيد بن حارثة ليدعو قبائلها إلى الإسلام وهم لايستجيبون له ، وما كان من موقف سادة ثقيف وأشرافهم معه من رفضهم دعوته ويأسه صلى الله عليه وسلم من خبرهم .

أقام صلى الله عليه وسلم بالطائف عشرة أيام يدعو أشرافها وأهلها إلى إلى الاسلام حتى جابهوه قائلين : أخرج من بلادنا ، وأغروا به سفهائهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به وقد قعدوا له صفين على طريق خروجه فأخذوا بأيديهم الحجارة ، فجعل لايرفع رجلهً ولايضعها إلا رضخوها بالحجارة حتى سالت منها الدماء ... وماكان من انتقاله صلى الله عليه وسلم إلى بستان عتبة وشيبة ابنا ربيعة الذى استظل رسول الله صلى الله عليه وسلم بشجرة من العنب لهما فصلى ركعتين وأخذ يدعو ربه دعاء المستجير بالدعاء الشهير: ’’اللهم إليك اشكو ضعف قوتى ، وقلة حيلتى ، وهوانى على الناس ياأرحم الراحمين أنت رب المستضعفين ، وأنت ربى إلى من تكلنى ؟ إلى بعيد يتجهمنى ، أم إلى عدو ملكته أمرى ؟ إن لم يكن بك علىَّ غضب فلا أبالى ، غير أن عافيتك هى أوسع لى ، أعوذ بنور وجهك الذى أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بى غضبك ، أو يحل علىَّ سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك ’’ ... فتحركت لعتبة وشيبة رحمهما له صلى الله عليه وسلم فدعوا غلامهما عداساً النصرانى ليناوله قطف من عنب فى طبق بعد أن تعرف عليه عداس وعلم أنه نبى مثل يونس بن متى ، وانتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قرن المنازل فبعث الله إليه جبريل ومعه ملك الجبال ، يستأمره أن يطبق الأخشبين على أهل مكة .

وتروى كتب السنة القصة ومنها البخارى بسنده عن عروة بن الزبير ، أن عائشة رضى الله عنها حدثته أنها قالت للنبى صلى الله عليه وسلم : هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد ؟ قال : ’’ لقيت من قومك ما لقيت ، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة ، إذ عرضتُ نفسى على ابن عبد ياليل بن عبد كُلاَل ، فلم يجبنى إلى ما أردت ، فانطلقت ـ وأنا مهموم ـ على وجهى ، فلم أستفق إلا وأنا بقَرْنِ الثعالب ـ وهو المسمى بقرن المنازل ـ فرفعت رأسى فإذا أنا بسحابة قد أظلتنى ، فنظرت فإذا فيها جبريل ، فنادانى ، فقال : إن الله قد سمع قول قومك لك ، وما ردوا عليك ، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم . فنادانى ملك الجبال ، فسلم علىّ ثم قال : يا محمد ، ذلك ، فما شئت ، إن شئت أن أطبق عليه الأخشبين ـ أى لفعلت ، والأخشبان : هما جبلا مكة : أبو قُبَيْس والذى يقابله ، وهو قُعَيْقِعَان ـ قال النبى صلى الله عليه وسلم :’’بل أرجو أن يخرج الله عز وجل من أصلابهم من يعبد الله عز وجل وحده لا يشرك به شيئا ’’(16)
نعم إن رحمته صلى الله عليه وسلم تمثل معجزة ، ولكن الدكتور إبراهيم على السيد (17) يراها أعظم من المعجزة حيث يقول : إن المعجزة الأعظم من إطباق الأخشبين أن يقف الرسول صلى الله عليه وسلم لايقبل العرض ؛ ولما تزل الدماء تنزف من قدميه ، ولا يصدر الأمر لملك الجبال ، ولاتزال كلمات بنى ياليل يرن صداها فى أعماقه الجريحة [ أما وجد الله أحداً يرسله غيرك ؟ .. إلى آخر ما قالوا ، أن يقف رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقول : ’’ بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لايشرك به شيئا ، اللهم اهد ثقيفا وأت بهم ". وهذا الموقف موافق لقوله تعالى:’’ فبما رحمة من الله لنت لهم ’’.(18) ، وقوله تعالى : ’’ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ’’. (19)

لا تستبين وجه المعجزة فى هذا الموقف حتى تعلم أن جبال مكة كانت تنتظر أمر النبى صلى الله عليه وسلم وقد كان كل هؤلاء المكذبين له صلى الله عليه وسلم أمامه كالنمل المتسلق جذوع الأشجاروقد جعل الله مصيرهم ومصير أولادهم رهن اشارة منه ، كما لايستبين وجه الإعجازإلا حين نقارنه بما فعل الأنبياء الكرام عليهم السلام حين جأروا لله بالدعاء لربهم أن يفتح بينهم وبين قومهم بالحق ، وانتصر لهم ربهم سبحانه فقال :’’ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ’’.(20)
بل إن عمر بن الخطاب نفسه يعجب من فعل رسول الله حيث أنه لم يدعو عليهم كما فعل نوح بقومه ، رغم ردىء أعمالهم برسول الله ولو دعا صلى الله عليه وسلم لهلكوا ..

قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه : بأبى أنت وأمى يارسول الله لقد دعا نوحٍ على قومه فقال :’’ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا’’(21) ، ولو دعوتَ بمثلها لهلكنا من عند آخرنا ، ولقد وُطِّىء ظهرُك ، وأُدمِّى وجهُك ..!! فأبيت أن تقول إلا خيراً ، فقلت: ’’ اللهم اغفر لقومى فإنهم لايعلمون ’’.(22). (23)

أن قصة الرسول صلى الله عليه وسلم مع الطائف وأهلها لم تتم فصولا وبالتالى لم تنته عند هذا المشهد فبعد أن زحف المسلمون علَى الطائف في السنة الثامنة للهجرة، وحاصروها فأطالوا حصارها؛ واستعصى عليهم حصنها الحصين الَّذِي قُتِل فيه كثيرٌ منهم؛ فهَمّ الرسول أن يرجع عنهم، لكن أصحابه أبوا إلَّا الفتح، وسألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو علَى أهل الطائف؛ فرفع يديه إلَى السماء يدعو فقال: اللهمّ اهْد أهل الطائف، اللهمّ ألِن قلوبهم للإسلام ومَكّنه فيها !... ثم إن عبد ياليل الذى جبه الرسولَ هو وعشيرته بالمكروه وآذَوه أذًى شديدًا، لما نزل مع قومه علَى الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة ـ بعد ذلك ـ ؛ أنزله في مسجده ، وضرب له قبّة فيه ، وجعل يزوره بعد كل عشاء، ويقصّ عليه ما كان يلقَى وهو في مكة من عَناء وجهد ! ، وهو الَّذِي استقبل الرسول في الطائف بالأذَى، ورجمه بالحجارة، وسامه الخَسف ! .. فشتان بين استقبال واستقبال .. كما هو شتان بين عبد ياليل ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

كما أن وجه المعجزة لن يستبين إلا حين يقيس انسان اليوم نفسه عليها اذا ما تعرض لضيم وكان له شبكة من الاتصالات بذوى النفوذ وفى مقدوره العصف بمن ظلمه ليشفى غليله ، هل كان سيعفو والدماء لازالت تسيل منه واستهزاؤهم به مازال يدوى بأذنيه ؟ ...

أما أن رحمته صلى الله عليه وسلم معجزة فهذا حق ، وتبدو أكثر فأكثر كلما قرأنا سيرته أكثر واقتربنا من مواقفه أكثر .. فربه عز وجل الرحمن الرحيم ، ورسالته رحمة للعالمين ، وهو صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداة هكذا وصفه مولاه وأرسله وسَمّاه ..

ويوم الفتح العظيم لمكة والنصر المبين على أهل الشرك تبدو رحمته وتتأكد لأن البشرية هنا غالبة والزهو قائم والرجال جاهزون والكفار صاغرون ينتظرون ، فالمشهد كله فى بقعة واحدة ، المؤمنون المشرئبون للإنتقام متأهبون لمن وقر فى صدره أنه يوم الملحمة ، وأهل الطاغوت عيونهم حائرة تتنقل كالنحلة الضالة تقف تارة عند شفتى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم مخافة اصدار أمر الإبادة والتنكيل وفى صدورهم يعلنون أنه لو فعل لكان حقه المُدَّخر وجزاؤهم الحق العادل ، وتنتقل نظراتهم سرعى على صفوف قواته المنتصرة وسيوفهم المُشْرعة تنتظر إصدار الأمر وهم يعلمون عن أصحاب محمد سرعتهم فى تلبية أمره وطاعته ، وتستقر أنظارهم أخيراً على فلذات أكبادهم وزوجاتهم ودورهم ويتخيلون مصارعهم وجندلتهم ، فلا شك أن المشهد هنا أقسى من مشهد حضور جبريل وملك الجبال للنبى صلى الله عليه وسلم بقرن المنازل بعد عودته من الطائف ، لأن هذا المشهد كان يغيب عن بال من سيحل بهم العذاب المفاجىء ، فوقعه عليهم آنذاك سيكون أخف فهم لايترقبونه ولا يخافونه ولو عاد اليهم الرسول وحكى لهم أنه رحمهم من عذاب سماوى عظيم لما صدقوه ؛ فدخوله عليهم وحاله يُنبىء عن مقاله وحال زيد معه ، وفى رجوعه اليهم مستجيراً بجوار مطعم بن عدى ، لبانت أمامهم الرحمة باهتة.. أما يوم الفتح فالعفو ناصع مُعجز والرحمة جلية .. وهنا الرحمة معجزة كما يراها خالد محمد خالد (24) فيقول : فى وهج هذا الانتصار الساحق المبين، تطل علينا المعجزة بضياء جديد يبهرالألباب .. فهذا هو الرسول المنتصر تواتيه الفرصة لكى يفرض دينه وتعاليمه ، فإذا هو لايصنع ذلك أبدا ..إنه كان معنياً بأمر واحد ، هو ازاحة مظاهر الوثنية والشرك ونسف ماوراء هذه المظاهرمن باطل وضلال .. من أجل هذا لم يكد يطمئن بمكة ، ويطمئن على أهلها وعلى استقرار الهدوء والأمن فيها حتى قصد البيت الحرام فطاف سبعاً..

أما الشهيد سيد قطب فيجعل فتح مكة هو معجزة محمد صلى الله عليه وسلم التى نالها بفضل الله أولاً ثم بجهده صلى الله عليه وسلم ، إذ يقول (25): انه ما من شك أن الله كان يريد لمحمد بن عبدالله أن ينتصر. وكان يريد لهذا الدين القويم أن يسيطر . ولكن الله لم يرد أن يجعل النصرهيناً ليناً سهلاً ميسورا.. ولم يرد أن يجعله معجزة لايد فيها للجهد البشرى ولا وسيلة .. انما جعله ثمرة طبيعية لجهد الرسول صلى الله عليه وسلم وجهاده ،ونتيجة منطقية لتضحياته وتضحيات أصحابه .

ليس هناك ماينفى اقتران الإعجاز بالبشرية فى حياة الرسول صلى الله عليه وسلم عند الدكتور منصوررحمانـي (26)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
Ël Hå$$åÑ ¢ØØl
اداري سابق
اداري سابق
Ël Hå$$åÑ ¢ØØl


تاريخ التسجيل : 21/08/2012
عدد مساهماتك : 1151
نقاط : 1314
السٌّمعَة : 103
العمل/الترفيه العمل/الترفيه : طالب

كل ما فيه معجزه Empty
مُساهمةموضوع: رد: كل ما فيه معجزه   كل ما فيه معجزه Emptyالخميس أكتوبر 11, 2012 12:11 am

شكرا لك على الموضوع القيم
واصل و لا تفاصل
تحيات الأخ الحسن
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://starcool.moontada.com/
ahmed shehata
اشراف عام الابداع
اشراف عام الابداع
ahmed shehata


تاريخ التسجيل : 08/07/2012
عدد مساهماتك : 329
نقاط : 496
السٌّمعَة : 1
العمل/الترفيه العمل/الترفيه : مصممَ فوَتوشوَب َ. .~

كل ما فيه معجزه Empty
مُساهمةموضوع: رد: كل ما فيه معجزه   كل ما فيه معجزه Emptyالأحد أكتوبر 21, 2012 2:28 pm

جزاآك آلله خيرآ .. وجعله بميزآن حسنآتك .~

دمتمَ بتقدم مستمر .~
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://sadstory.yoo7.com/
 
كل ما فيه معجزه
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كل ما فيه معجزه 5
» كل ما فيه معجزه 4
» كل ما فيه معجزه 3
» كل ما فيه معجزه 2
» بالصور " معجزه نور قبور شهداء احد "

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات المصممه ملاك العسوله للتصميم مجانا :: [♥ القسم الاسلامي ®-} :: القسم الاسلامي :: القسم الاسلامي للمرئيات-
انتقل الى: