كل ما فيه معجزه 5

كل ما فيه معجزه 5

أن صبرالصعود والانقطاع بالغار ثم تلقى أمانة الرسالة لهو المعجزة بحق عند المفكر الاسلامى محمد على بن حسين الحريرى الذى يقول(91): إن التأمل في غار حراء وصعوبة الارتقاء إليه في جو لاهب من الحر والريح الجافة لتؤكد للناس عبر القرون أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مؤيداً ببأس قوي وعناية رب العالمين، عندما ينقطع في الغار الليالي ذوات العدد لا يعبأ بالوحشة والانفراد، ولا يتسلل إلى نفسه الشريفة خوف من الوحوش والأفاعي ، مما يجعل انقطاعه صلى الله عليه وسلم بالغار معجزة مستقلة تؤكد صدقه صلى الله عليه وسلم وصبره على تلقي هذا الأمر العظيم من الوحي والنبوة والتبليغ .

أما المرأة فلها مع شخصه صلى الله عليه وسلم رؤية أسرية بإعتباره زوجاً وليس كأى زوج بل الزوج العادل المنصف المتسامح الذى لم يسمح لشواغل رسالته وعظائم الأمور حوله أن تتجاذبه فتسرقه من أزواجه أو يسلبهن حقوقهن فلم يرهبهن بكونه رسول وهن أمهات المؤمنين أن يتغاضين عن حقوقهن أبداً .. فهذا خلقٌ يليق بصغَار الرجال الهُمل النكرات وليس بخلق نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم فتقول الدكتورة ليلى أحمد الأحدب (92): أى رجل يكون له تسعة نسوة ثم يستطيع أن يصوغ حياته وحياة الناس من حوله بهذا الشكل العبقرى ؟ .... إن هذا التوازن بين الروح والمادة الذى اكتست به حياة رسولنا حبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام هو بحد ذاته معجزة ودلالة على أنه نبى .

وجمع د. عبد المعطى الدالاتى للرسول صلى الله عليه وسلم بعض ماسبق ليجعله معجزة (93): لقد كان القرآن معجزة الإسلام الأولى ، وكان الرسول بذاته وأخلاقه وسيرته وانتشار دعوته معجزة الإسلام الثانية وحق للذات التي تجمعت فيها نهايات الفضيلة الإنسانية العليا أن تكون معجزة الإنسانية الخالدة .

يقول الدكتور محمد رواس قلعه جى (96) : المعجزة فى حقه صلى الله عليه وسلم أنه أمىٌّ أفحم العلماء ، وألجم بالفكر المفكرين ، وساق للمؤرخين أخبار مالا يعرفون ، فقامت له الحجة ، وألجم بها الجاحدون .
يقول الدكتور أحمد نسيم سوسه (97): وهل من مناص للمرء من الانجذاب إلى معجزة القرآن بعد تمعنه في أميّة نبي الإسلام ووقوفه على أسرار حياة الرسول صلى الله عليه وسلم.. فقد جعل الله تعالى معجزة القرآن وأمّيّة محمد صلى الله عليه وسلم برهانًا على صدق النبوة وصحة انتساب القرآن له.
كما قال البوصيرى فى الهمزية التى تبلغ أربعمائة وخمسةً وخسين بيتاً مخاطباً رسول الله صلى الله عليه وسلم :
إن من معجــزاتِكَ العجْــزَ عن وَصفِكَ إذ لا يَحُــــدُّه الإحصاءُ
يقول العلامة محمد شلبى فى شرحه للبيت (98) : كان من معجزاتك عجزُ الناس جميعاً عن الإحاطة بأوصافك التى اختصك الله بها ؛ لأن العدَّ لا يتناول صفاتك السَنية ، وكيف يستوعب الكلام ما فيك من الأخلاق الكريمة والفضائل والأوصاف البالغة أقصى الكمال التى لاحدَّ لها ؟

كان حتماً أن نتذكرأميرالشعراء فى العصرالحديث أحمد شوقى أشهرمن عارض بردة البوصيرى بقصيدته الذائعة الرائعة نهج البردة وفيها يرصد معجزة محمدية فيقول:
أَخوكَ عيسى دَعا مَيتـــاً فَقـامَ لَـهُ وَأَنتَ أَحيَيـتَ أَجيـــــــــالاً مِـنَ الرِِّمَـمِ
وَالجَهلُ مَوتٌ فَإِن أوتيـتَ مُعجِـزَةً فَاِبعَث مِنَ الجَهلِ أَو فَاِبعَث مِنَ الرَّجَمِ

يقول أحمد بهجت (99): وعلى حين أحيا عيسى بن مريم الموتى وأخرجهم من قبورهم .. أحيا محمد بن عبد الله الأحياء من موتهم الذى لايدركونه ، وذلك أقسى أنواع الموت ، وأخرجهم من ظلمة الجهل إلى طمأنينة العلم ، ومن خبل الشرك والكفر إلى علم التوحيد .
بينما يوضح شيخ الأزهرالشيخ سليم البشرى معنى البيتين فيقول : وإذا أُعطيت معجزة فسواءٌ إحياؤك القلوب أى إنقاذك لها من ظلمات الجهل والشرك وإحياؤك الموتى ، والأولى أعظم وأنفع . (100).

لم يكن يعلم عبد المطلب جد الرسول صلى الله عليه وسلم عندما اختار لرسولنا الكريم اسم " محمد " أنه سيأتى من يعتبر أن هذا الاختيارإعجازاً ، كما لم يكن يعلم أيضاً أن اسم حفيده " محمد " سيكون بعد مئات من السنين هو الاسم الأكثر انتشاراً فى العالم بأسره .

يقول البروفيسور عبد الأحد داود (101): إنها لمعجزة فريدة حقاً فى تاريخ الأديان ، أن يُطلق اسم محمد من جميع أبناء آدم على نجل عبدالله وآمنة فى مدينة مكة لأول مرة ، ولايمكن أن تكون هناك حيلة زائفة أو محاولة ما أو تزوير ما فى هذا المجال ، لأن والديه وأقرباءه كانوا وثنيين ولم يعلموا شيئاً مطلقاً عن التنبؤات العبرية ، وأن اختيارهم لاسم محمد أو أحمد لايمكن تفسيره بأنه كان على سبيل المصادفة ، أو حدثاً عرضياً .

قال البعض أن من سماه بهذا الاسم أمه آمنة وقال بعضهم بل الله سبحانه وتعالى وإن كان المشهور هو أن الذى سماه جده عبد المطلب ، ولأن عبد الأحد لا يتصور أن يكون هذا الاسم ـ محمد ـ جاء مصادفة أو عَرَضاً ، يقول الدكتورمحمد شيخانى (102) موفِقاً بين أنه إلهام من الله وأن الذى سماه جده : ومن الموافقات الجميلة أن يًلْهَم عبد المطلب تسمية حفيده محمداً ، وأنها تسميةٌ أُعِينَ عليها ولم يكن العرب يألفون هذه الأعلام ، لذلك سألوه : لم رغبت عن أسماء آبائه وأجداده ؟ فأجاب : أردتُ أن يحمده الله فى السماء ،وأن يحمده الخلق فى الأرض فكانت هذه استشفافاً لغيب ، فإنه لايوجد فى الإنسانية من يستحق ازجاء الشكر والثناء كما يستحق المحمَّد صلى الله عليه وسلم لِما أسدى للإنسانية من خيرٍ عميم .

قال ابن قتيبة: من أعلام نبوّته ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنّه لم يُسَمّ قبله أحد باسم محمد، صِيانة من الله لهذا الاسم، كما فعل مع يَحيى حيث لم يجعل له من قبل سَمِيًّا، قال تعالى: ’’يا زَكريَا إنا نُبشِّرُكَ بغُلامٍ اسمُه يَحْيى لَم نَجْعَل له من قَبْلُ سَمِيًّا’’. (103) ولما قَرُبَ زمنهًُ وبشَّر أهل الكتاب بقربِه سَمَّى قوم أولادَهم بذلك رجاء أن يكون هو، وعدّهم القاضِي عياض ستة فقط ، وقال ابن حجر الذي جمع أسماء من تسمّى باسمه في جزء مفرد: إنّهم حوالي العشرين مع تكرير في البعض ووهْم في البعض، وانتهى منهم إلى خمسة عشر نفسًا، ذكر أسماء المشهورين منهم وقال: لم يدرِك الإسلام منهم إلا محمد بن عدي التميمي السعدي، ومحمد بن البراء البكري؛ لأنه صحابيٌّ جزما، وذكر ابن خَلِّكان أنّه لا يعرف أحد سُمِّيَ بمحمد في الجاهليّة إلا ثلاثة محمد بن سُفيان بن مجاشع جدّ الفرزدق، ومحمد بن أُحَيْحة بن الجُلاح أخو عبدالمطلب لأمِّه، ومحمد بن حمران بن ربيعة.

أما اسم أحمد فلم يتسم أحد به قبل الرسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ العراقي: وفي الصحيحين من حديث جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وسلم " إن لي خمس أسماء: أنا محمد وأنا أحمد... " الحديث.

ولم يتسم بأحمد قبله صلى الله عليه وسلم أحد ولا في زمنه ولا في زمن أصحابه، حماية لهذا الاسم الذي بشر به الأنبياء،وأول من سمي أحمد في الإسلام أحمد بن عمر بن تميم والد الخليل بن أحمد العروضي. قاله أبو بكر بن أبي خيثمة وأبو العباس المبرد.

حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرحمن ثنا زهير عن عبد الله يعنى بن محمد بن عقيل عن محمد بن على أنه سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ’’ أعطيت ما لم يعط أحد من الأنبياء فقلنا يا رسول الله ما هو قال نصرت بالرعب وأعطيت مفاتيح الأرض وسميت أحمد وجعل التراب لي طهور وجعلت أمتي خير الأمم ’’. (104) كما أن من إعجازه صلى الله عليه وسلم أنه لم يأمر المسلمين بالتسمى باسمه ولم يرغبهم فى ذلك ، ولو أراد لفعل فقد كانوا يحبون التأسى به فى كل شىء ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يفعل ، والحديث الذى رواه أبو هريرة رضى الله عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ’’ تسموا باسمى ولاتكنوا بكنيتى ’’ . فله واقعة مخصوصة وهى النهى عن اتخاذ كنيته " أبا القاسم " فى حياته وجواز التسمى باسمه يؤيد هذا الحديث الوارد بمسند أحمد 3/385 حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن سالم عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ’’سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي ، فإنما جعلت قاسما أقسم بينكم’’ .

- فالأحاديث التى شاعت بين الناس عن ترغيب الرسول صلى الله عليه وسلم فى التسمى باسمه لا أصل لها بل عدها العلماء من الموضوعات مثل ماورد عن مكحول، عن أبي أمامة الباهلي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَن وُلد له مولود فسماه محمداً تبركاً به، كان هو ومولوده في الجنة" .(105) وكذلك ما أشاعوه أنه صلى الله عليه وسلم قال :" خير الأسماء ما عبِّد وما حـمِّد ". فهذا القول مشهورعلى الألسنة، ونسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا تصح ولا أصل له ، وليس في فضل التسمية بأحمد ولا محمد شيء له أصل . قال عنه العجلونى فى كشف الخفاء :موضوع ، كما ذكره الشيخ الألباني في [السلسلة الضعيفة (411)] ، وقال السيوطي : لم أقف عليه ، وقال الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: فلا ينبغي أن يجزم الإنسان على رسول الله بما لا يعلم صحته، وهو القول بلا علم.
أما ما صح عنه صلى الله عليه وسلم في فضل التعبد لله ، فهوالتسمي بعبد الله وعبد الرحمن: حدثني إبراهيم بن زياد وهو الملقب بسبلان أخبرنا عباد بن عباد عن عبيد الله بن عمر وأخيه عبد الله سمعه منهما سنة أربع أربعين ومائة يحدثان عن نافع عن بن عمرقال ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ’’إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن’’ (106)
يقول ر.ف. بُودلى (107): فقد أصبح اسم الطفل محمداً . وتسمى به ملايين الأطفال الذين ولدوا بعد الدين الجديد الذى قُدِّرَ أن ينشره على العالمين ابن آمنة من عبدالله .

ولهذا تبارت معظم الأسرالمسلمة فى تسمية بعض مواليدها من الذكور بأسماء محمد أو أحمد أومصطفى أو طه أو مختار أو ياسين ظناً منهم بأن الأسماءالتى ذكرناها من بعد محمد وأحمد هى من أسمائه صلى الله عليه وسلم ، حتى أصبح اسم محمد هو الأسم الأكثر انتشاراً فى العالم يليه اسم أحمد كما سنرى :
فقد احتلت مدينة الزاوية الليبية مكانة مرموقة على مسرح الاخبار العالمية أثناء محاولة تسجيل رقم قياسي في موسوعة جينيس للارقام القياسية العالمية من خلال جمع اكبر عدد من الاشخاص الذين يحملون اسم محمد في مكان واحد.
وتجمع ما قدر بنحو 20 ألف طفل وشاب وكهل وشيخ يحملون الاسم في استاد النادي الاولمبي بالمدينة في محاولة لكسر الرقم القياسي لعام 2005 الذي سجلته دولة الامارات العربية المتحدة التي تجمع فيها 1096 شخصا يحملون اسم محمد اثناء مهرجان دبي للتسوق. (108) كما أكدت إحصائيات رسمية تركية أن اسم "محمد" هو أكثر الأسماء التي يطلقها الأتراك على مواليدهم ليصبح هو الاسم الأكثر شيوعا في تركيا وزادت تسمية المواليد به بصورة كبيرة خلال الفترة الأخيرة.(109)
وفى مصر نشرت مجلة نصف الدنيا (110) إحصائية عن الاسماء في مصر من بداية القرن العشرين وحتى نهايته. وكما هو متوقع أتى "محمد" في المركز الأول كأكثر الاسماء شيوعا وانتشارا..
كما يتوقع أن يحتل اسم "محمد" المرتبة الأولى العام المقبل في بريطانيا، وهو الآن ثاني الأسماء الأكثر انتشارا فيها بعد اسم "جاك" حسب دراسة نشرتها صحيفة تايمز اليوم استنادا إلى أرقام من مصادر حكومية. (111)
كماتصدر اسم ’’محمد’’ قائمة أكثر الاسماء شعبية في العاصمة البلجيكية بروكسل، التي يوجد فيها مقار العديد من مؤسسات الاتحاد الاوروبي. وأعلن مكتب الإحصاء البلجيكي أن 235 من المواليد الجدد في بروكسل حصلوا على اسم «محمد» عام 2007. (112)
أما موسوعة جينيس للأرقام القياسية فقد أكدت أن اسم محمد قد حقق أعلى معدل للتسمى به بين البشر , حيث بلغ عدد الذين يحملون هذا الاسم المبارك 70 مليون شخص على مستوى العالم ليصبح أكثر اسم في الوجود.

وأما أن ذات الرسول صلى الله عليه وسلم فى حد ذاتها تقف معجزة فلا تترك لصاحب نظر أو فكر أن يبحث خلفها عن دلائل صدقها فهذا ما استقر عليه خالد محمد خالد ، وبديع الزمان النورسى ، ومصطفى محمود ... كما سيأتى ذكره فى حينه :
أما بديع الزمان النورسى فلايرى فى الرسول صلى الله عليه وسلم معجزة وحسب ولكنه يراه – وله الحق - معجزة المعجزات فيقول (113): ونقطة الإعجاز أن الأخلاق الحميدة لاتتخالف ولاتتباين فيما بينها فإنها تتزاحم فى درجة الكمال ، فلو تفوقت إحداها ضَعُفَتْ الأخرى... فاجتماعُ كمال الحلم مع كمال الشجاعة ، وكمال التواضع مع كمال الشهامة ، وكمال العدالة مع كمال المروءة والرحمة ، ومنتهى الإقتصاد والإعتداد مع منتهى الكرم والسخاء ، وغاية الوقار مع منتهى الحياء ، وغاية الرأفة مع منتهى البغض فى الله ، وغاية العفو والصفح مع منتهى العزة بالنفس ، وغاية التوكل مع منتهى الإجتهاد والسعى ... فاجتماعُ أمثال هذه الأخلاق الراقية المتزاحمة فى شخص واحد كلٌ فى ذروتها دفعةٌ واحدة ،وانكشافها من دون تدافع وتزاحم هو معجزة المعجزات .

نعم كانت المعجزة هى ذات محمد نفسه التى جمعت الكمالات وبلغت فى كل كمال ذروته . كان محمد ذاته كسلوك وخلق وسيرة هو المعجزة التى تسعى على الأرض .. هذا ما ارتأه مصطفى محمود (114) ولكنه يابى إلا التفصيل فى الكمالات التى أجملها النورسى حتى تستبين أمام من يرى إدراك تلك الكمالات بمستطاعة لقصورنظره إذ أنه يحسَبُها جملة واحدة ، والأصح أن نعاينها مفردة .. مفردة فيظهر فى ذلك التفصيل سرالإعجاز، فلئن بلغت ذاتك الكمال فى صفة واحدة ، فتبز فيها وتتفوق على أقرانك ، فهذه هى العبقرية ، وأما أن تمتحنك الأيام فى كل صفة فتبلغ فيها غاية المدى دون مدرسة أو معلم فهذا هو الإعجاز بعينه.

أما خالد محمد خالد فيقول (115) معترضاً على سلوك المشركين ومطالبتهم لمحمد بالإتيان بالخوارق والمعجزات : لقد جهل المشركون أن الله جل جلاله لايُمتحَن ، و لاتناله اختبارات الناس و تفسيراتهم .. ومن ثم فهم باطلون ومبطلون حين يتطاولون بالقول ، فيسألونه سبحانه : أن يريه مقدرته من خلال " محمد " صلى الله عليه وسلم من خلال قدرته و توثيقه و تأييده لهذه النبوة ولصاحبها ..!! لم يستطيعوا أن يرتفعوا بتفكيرهم إلى المستوى الذى عنده يدركون أن معجزة محمدٍ صلى الله عليه وسلم هى محمدٌ ذاته .. وأن أروع آياته و معجزاته ، ماثل فى أن الله جعله هُدىً ونوراً .

إن أغرب مانستطيع أن نتخيله معجزة فى حق رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ( الفقر) وهذا عين مايراه مصطفى صادق الرافعى حين يقول (116): إنَّ فقرَّهُ صلى الله عليه وسلم كان من أنَّه يتَّسعُ فى الكون لا فى المال ،فهو فقرٌ يُعَدُ من معجزاته الكبرى التى لم يتنبه إليها أحدُ إلى الآن ، وهو خاصٌ به ومن أين تدبرته رأيته فى حقيقته معجزة تواضعت وغيرت اسمها ؛ معجزةٌ فيها الحقائق النفسية والإجتماعية الكبرى ، وقد سبقت زمنها بأربعة عشر قرناً ، وهى اليوم تثبتُ بالبرهان معنى قوله صلى الله عليه وسلم فى صفةِ نفسهِ : ’’ إنما أنا رحمةٌ مهداة ’’ .

وبالرغم أننا قد أفردنا فصلاً قائماً بنفسه يناقش قضية زهد النبى صلى الله عليه وسلم تحت عنوان : زهد القادر ، إلا أنه من الأليق بنا أن نوضح أن ما قاله الرافعى ليس من قبيل الكلمات الفخمة الرنانة التى لايُؤيدُها سند من واقعٍ أو فكر، فالرجل يُجَلْى ما ذهب إليه فهو يرى أن الرسول صلى الله عليه وسلم تنزه عن التعلق بالمال لأنه نبى الإنسانية ومثلها الأعلى وأنه لم يكن يفتقر إلى إمتلاك المال بل امتلكه وجاد به لأنه صلى الله عليه وسلم ما كان ليترك المال عنده يتناسل ويتكاثر ولهذا ختم كلامه بقوله عن الرسول صلى الله عليه وسلم : كانت حياته بعد الرسالة منصرفة إلى إقرار التوازن فى الإنسانية ، وتعليم الجميع على تفاوتهم واختلاف مراتبهم ، كيف يكون لهم عقل واحد من الكون ؛ وبهذا العقل الكونى السليم ترى المؤمن إذا عرض له الشىء من الدنيا يفتنه أو يصرفه عن واجبه الإنسانى أبت نفسُهُ العظيمة إلا أن ترتفع بطبيعتها ، فإذا هو فى قانون السمو ، وإذا المادة فى قانون الثقل ؛ فيرتفع وتتهاوى ويصبح الذهب ـ وإنه ذهب ـ وليس فيه عند المؤمن إلا روح التراب . (117)

ولك أن تأخذك الدهشة حين تعلم أن فقرالرسول صلى الله عليه وسلم فقط ليس هو الغريب المضاف إلى معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم كما أراد الرافعى فيما سبق ، ولكن حين يأخذنا العقاد أيضاً إلى منطقة فى الإعجاز المحمدى لم يكن ليتطرق إليها الفكر ؛ ألا وهى معجزة محبة الصداقة ـ كما أسماها ـ وهى التى يلفت عقولنا إليها ، وعنها يقول (118) : هى المحبة التى جعلت كثيراً من الناس يؤمنون بمحمد لمحبتهم إياه واطمئنانهم إليه ، فكانت سابقة فى قلوبهم وأرواحهم لحب العقيدة والإيمان ، إن عطف العظيم على الصغير حتى يستحق منه هذا الحب لفضيلة يشرف بها المقام العظيم فى نظر بنى الإنسان . ولكن قد يقال إن استحقاق العظيم أن يحبه العظماء لأشرف من ذلك رتبة وأدل على حظه الجليل من فضائل التفوق والرجحان .. هذا صحيح لاريب فيه .. وهنا أيضاً قد تمت لمحمد معجزته التى لم يضارعه فيها أحد من ذوى الصداقات النادرة.

فأحدقت به نخبة من ذوى الأقدار تجمع بين عظمة الحسب وعظمة الثروة وعظمة الهمة ، وكل منهم ذو شأن فى عظمته تقوم عليه دولة وتنهض به أمة .... تلك هى بلا ريب عظمة العظمات ، ومعجزة الإعجاز فى باب الصداقات ، وما استحقها محمد إلا بنفس غنيت بالحب وخلصت له حتى أعطت كل محبٍ لها كفاء ما يعطيها ؛ مودة بمودة وصفاء بصفاء ، وعليها المزيد من فضل التفاوت فى الأقدار .. ولقد كان صاحب الفضل على أصفيائه جميعاً بما هداهم إليه من نور العقل ونور البصيرة ، وهما أشرف من نور البصر لأنه نعمة يشترك فيها الإنسان والعجماوات ، ونور العقل ونور البصيرة نعمتان يختص بهما الإنسان .

كم ماتت رسالات بموت رسلها وأنبيائها ، بل كم ماتت أفكار ونظريات سريعاً بموت أصحابها وتفرق بعدها من آمنوا بها ودافعوا عنها ونافحوا ، ومات رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم كما يموت البشر بأمر رب البشر سبحانه وتعالى ومع هذا لازالت رسالته باقية خالدة يتمسك بها المؤمنين بالله ورسوله ورسالته لتشهد بصدق الإعجاز الخالد للرسول صلى الله عليه وسلم .

يقول ر. ف . برادلى : وفى الواقع إنها لمعجزة أن ما جاء به محمد لم يمت بموته ، إن هذا لشاهد آخر على شخصية الرجل ، وعلى قوة الدين الذى أسسه .

يرى ديدات (119) أن النجاح ظل ملازماً رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعد موته : إن هذا الرجل ـ يقصد ديدات الرسول صلى الله عليه وسلم ـ نجح في حياته واستمر نجاحه بعد موته على يد أتباعه. فقد صنع الأبطال إنها مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم التي خرجت الأبطال والدعاة الذين جابوا الأرض شرقاً وغرباً لنشر دين الله ونوره وتبليغه إلى الناس.

هذا محمد النبى وقد اجتمعت فيه كمالات بلغ فى كل منها الذروة ، واجتماع هذه الكمالات فى ذات واحدة معجزة وليس عبقرية .. فالعبقرية هى أن تتفوق فى صفة واحدة وحسب.. أما أن تكون ذواتنا مجمع كمالات فهنا نبوة . فهو صلى الله عليه وسلم ذاته معجزة ، متفردة تماماً ، مستوفية لكل أسباب الكمال الذى ندركه والذى لم ندركه بذواتنا القاصرة ، وسيدركه – ربما – أجيال تأتى بعدنا ، وتجتهد مثلنا كما أجتهدت أجيال قبلنا فى استكناه سر هذا الإعجاز المحمدى ، وكما ذكرتُ آنفا أن هذه السيرة لاتُعطى أنوارها وأسرارها دفعة واحدة ، بل تخص كل طالب ناهل منها بما يتحمله بقدره لابقدرها فشأنها وشأن صاحبها صلى الله عليه وسلم عظيم .

ولقد وقف شيخ علماء الشريعة فى عصره الإمام الشيخ محمد أبو زهرة مناجياً رسول الله صلى الله عليه وسلم (120) قائلاً : يا رسول الله إننا نكتب فى العظماء لنصور نواحى عظمتهم ، ولكل عظيم ناحية واحدة من العظمة ، فالاتجاه إلى تلك الناحية هو مفتاح عظمته ، فتسهل معرفته ، لكنك يا رسول الله فوق عظمة الأشخاص لأن وجوه عظمتك تعددت ، حتى يعجز المحصى عن الإحصاء ، والمستقرى عن الاستقراء ، وإذا نَفِدَتْ الطاقة أقر مطمئناً بعجزه ، ومؤمناً بأن وجودك فى هذا الوجود معجزة البشر .. فكل شىء فى حياتك الأولى كان من الخوارق التى علت عن الأسباب والمسببات ، فلم تكن أثر تربية موجهة ،ولا أثر بيئة حاملة ، ولا أثر شرفٌ رفيع ، وإن كان محققاً ، ولكنك كنت صنيعِ الله ، فكنت معجزةً بشخصك وكونك ووجودك ، ففيك البشرية، وفيك المعجزة الإلهية .. صلى الله عليه وسلم .

لاشك أن المتأمل فى تلك المقولات ، وإن بدت أمامه مختلفة الرؤى إلا أنها كلها يضمها ويستوعبها شخص رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، فصدقه من أخلاقه ، وأفكاره من شخصيته التى صنعت سيرته التى أصبحت خير مثال لأن يقتدى بها أصحابه رضوان الله عليهم ، فيخرج منها هذا النور الربانى الذى ملأ الوجود من حوله صلى الله عليه وسلم ، وتعطرت الدنيا بالعبق السماوى بنور الرسالة و هدى خير رسول لتؤكد عن يقين وتشهد بحق أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو بحد ذاته معجزة الإنسانية الخالدة بل هو معجزة المعجزات أُثبِتُهاَ له كما أًثبتًها له من سبقوا حباً وكرامة

شكرا لك على الموضوع القيم
واصل و لا تفاصل
تحيات الأخ الحسن

جزاآك آلله خيرآ .. وجعله بميزآن حسنآتك .~

دمتمَ بتقدم مستمر .~

» كل ما فيه معجزه 4
» كل ما فيه معجزه 3
» كل ما فيه معجزه 2
» كل ما فيه معجزه
» بالصور " معجزه نور قبور شهداء احد "

صفحة 1 من اصل 1